الحركة السياسية عند الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي
1/ 3
مرحلة المقاومة المسلحة قبل المنفى
مراد جدي[1]
مقدمة
في السنوات الأخيرة نلاحظ اهتماما ملفتا بتاريخ الريف
عموما، وتاريخ الحركة السياسية فيه خصوصا، إلا أن ما يلاحظ أن الدراسة بشكل أعمق
حول الجانب السياسي في حركة المقاومة الريفية نزر قليل، لذا أثرت أن أسهم بهذه
الدراسة المتواضعة في الحديث عن هذا الجانب عساي أن أقدم ولو جزءا يسيرا أنير بعض
النقاط التي قد تكون غامضة فيه، على أساس أن أكمل إنجاز دراسة وافية في الموضوع
بطريقة أعمق وأدق مستقبلا، لذا جاء هذا البحث الذي عنونته بـ"التنظيم السياسي
عند الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي"، وهذا العنوان لم يأت عبثا، وإنما
توخيت من خلاله الاقتصار على الحركة السياسية
التي تميزت بها المقاومة الريفية واستطاع بفضلها هذا المجاهد الفذ أن يكون
قدوة عالمية ونموذجا مثاليا للزعيم السياسي المحنك.
ولقد كان وراء اختيار هذا الموضوع عدة دوافع، منها محاولة
الكشف عن بعض ما غمض في هذا الموضوع، وإثارته بطريقة خاصة مستقلة وليس في إطار بحث
يمزج بين المقاومة والجهاد وغير ذلك من المواضيع العامة التي أشبعت بحثا وتحليلا
ودراسة.
وفي إطار إعدادي لهذا البحث لاحظت أنه لا توجد هناك
مؤلفات وكتب مستقلة تتحدث عن الجانب السياسي لدى هذا الزعيم الريفي، بل إن
المقالات المنشورة في الصحف والمجلات المخصوصة بالموضوع هي نزر يسير جدا، مما حتم
علي الغوص في أعماق الكتب لاستخراج، ما يخص الحركة السياسية عند "مولاي محند"[2].
وقد استخدمت المنهج الوصفي في بحثي هذا، والذي اعتمد
بشكل جلي على وصف الحركة السياسية لدى محمد بن عبد الكريم الخطابي، وكذا المنهج
التاريخي الذي هو عمدة أساسية في البحث لأني استفدت من الكتب التاريخية ما أهلني
لخوض غمار موضوع الحركة السياسية عند "أسد الريف".
ولقد ارتأيت أن تكون هذه الدراسة على ثلاث حلقات؛ تناولت
في الأولى تجربة المقاومة المسلحة قبل المنفى، وفي الثانية قضية الحكومة الريفية
ودورها التنظيمي والسياسي، وفي الثالثة تجربة محمد بن عبد الكريم الخطابي في
التنظيم السياسي والحركي بعد المنفى (1947 – 1963).
وختمت هذا البحث بخاتمة مختصرة وضحت فيها أهم النتائج
التي خلصت إليها وأهم الآفاق المفتوحة لمتابعة البحث في هذا الموضوع.
1- مرحلة المقاومة
المسلحة قبل المنفى
ظلت القبائل الريفية محتفظة بتقاليدها وعاداتها، على
الرغم من دخول الإسلام إلى الريف، وظلت تعاني من حالة تفكك سياسي، وعملت المؤسسات
التقليدية التي أنشأتها القبائل على رفع لواء المساواة بين التنظيمات الجماعية
المحلية، وقد كانت النزاعات بين القبائل تؤدي بعض الأحيان إلى اضمحلال قبائل في بعضها
البعض، وعززت هذه الظاهرة الجانب الأبوي عند أهل الريف، وظل يحكم كل
"تارفيقت"[3]
أحد كبار الأعيان يسمى "أمغار" فيكون بمثابة الرئيس و القائد المحلي، وكان
التفاهم بين الجماعات من كل قبيلة لا يدوم كثيرا، وأقصى ما تتوصل إليه الجماعة، هو
أن تلتزم بعدم القتل والنهب خلال بضعة أسابيع[4]،
فالمجتمع انقسامي بطبعه.
فعلى الرغم من المحاولات المتكررة التي كانت تقوم بها
السلطة المركزية لفرض الأمن، فإن مساعي المخزن، باءت بالفشل نظرا لشطط سياسة معظم
القواد المحليين وعدم استقرار سلطتهم.
وفي ظل هذه الأجواء سيظهر محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي
يقول عنه محمد سلام أمزيان رحمه الله - وهو رفيق الأمير- "فتصدى الأمير ليزيل
من نفوسهم ما كان عالقا بها من خرافة الثأر على أنه خراب وعار وكفر بالقيم، وفقر
وتعاسة وجهل وغباء، ووسيلة للاحتلال، وفوضى، ومأساة اجتماعية لا يقرها الناس
الطيبون فوفق في هذه الخطوة، وانتهت ظاهرة الثأر إلى الأبد"[5].
فالمجتمع المغربي – ومنه الريف – كان يعاني من غياب
اللحمة الاجتماعية والسياسية بين أبنائه القادرة على مواجهة التحديات الداخلية
والخارجية، وهذا الواقع يصفه محمد سلام أمزيان بقوله: "ماتت
القوة المعنوية بموت الروابط الاجتماعية بين أبناء هذا المجتمع. واقتصر كل منهم
على التفكير في نفسه ولنفسه، غير معتد بما بينه وبين مساكينه من تضامن يحفظ كيان
الجماعة. فكان الانحلال والتحلل. وكان بعبارة أخرى نذير الانقراض، وما ربك بظلام
للعبيد"[6].
وكانت رؤية الخطابي لتغيير الواقع كما يقول أمزيان أيضا: ”ونظرا لما يتطلبه
الموقف، رأى (ابن عبد الكريم) أن الحكمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية أن يبدأ
بإنهاء التطاحن الداخلي ليصبح المواطن
مطمئنا على نفسه ومصير أهله، ويعرف واجباته وحقوقه وما له وما عليه“[7].
وهكذا تحول الخطابي من شخص باحث عن أسباب الانتكاس والانهيار إلى قائد رافض للمصير بتجديد المسير
والوقوف ضد التيار.
أ - محمد بن عبد الكريم الخطابي: مسار النشأة والتكوين
ü الأصول والجذور
ينتسب الخطابي حسب ما
تذهب به بعض المصادر إلى الشرفاء الخطابيين الأدارسة "وننتسب إلى السي محمد
بن ع. الكريم الحجازي الأصل، وقد نشأ أجدادي في بلدة ينبع ... غادرت عائلتي موطنها
في الحجاز وجاءت تستوطن مراكش في القرن الثالث للهجرة وأقامت بين أفراد قبيلة بني
ورياغل"[8].
كما ينتمي إلى قبيلة
آيث ورياغل إحدى أقوى وأعرق القبائل الأمازيغية بالريف الأوسط، واليت أدت أدوار
تاريخية مهمة (قيام إمارة نكور، الجهاد بالأندلس، تشكيل حلف بطوية، الوقوف في وجه
المد الإيبيري المسيحي، النهضة العلمية والروحية والعمرانية).
إضافة إلى كونه من
أسرة مشهورة بالعلم والسياسة، وشغل أفرادها مناصب هامة في الجهاز الإداري
والقضائي، كما أن والده عبد الكريم كان قاضيا على القبيلة، ومن أوائل من واجه
التوسع الاسباني بالمنطقة.
ü الولادة
والنشأة والتعليم
على بعد 5 كلم جنوب مدينة الحسيمة تقع قرية أجدير وفي هذه القرية ولد محمد
بن عبد الكريم الخطابي، وذلك يوم 15 شعبان 1301هـ الموافق لسنة 1882م.
وتلقى تعليمه
الابتدائي بقريته أجدير في القرآن الكريم واللغة العربية ثم قضى المرحلةالثانوية
بتطوان، ثم بمدرسة العطارين بفاس لمدة سنتين، وبعد عودته إلى موطنه، رجع إلى فاس
من جديد حيث التحق بجامعة القرويين، وتتلمذ
على يد علمائها الكبار (الشيخ محمد بن التهامي كنون، الشيخ عبد الصمد بن التهامي
كنون، الشيخ الشهيد محمد الكتاني).
وفي فاس أدى سيدي محمد
مهمة سياسية كلفه بها والده، تمثلت في إقناع مخزن السلطان عبد العزيز بولاء عائلة
الخطابي له، ودروها في مواجهة حركة الثائر الزرهوني (بوحمارة)، والاتصال بالأجانب
(مثلا الألمان)، وفي
سنة 1907 انتقل إلى مليلية، حيث تعلم اللغة الاسبانية وانفتح هناك على الثقافة
الغربية.
ü المناصب
والوظائف التي تقلدها والألقاب التي تمتع بها
عمل منذ سنة 1906 كسكرتير بالمكتب الخاص بقضايا الأهالي بمليلية، عين
مدرسا للدين الإسلامي واللغة الأمازيغية بإحدى المدارس الاسبانية الأهلية التي
أنشأتها اسبانيا بمليلية بتاريخ 18 – 09 – 1907، ثم كناشر للملحق العربي لجريدة تلغراف الريف، ليصبح فيما
بعد قاضيا لمنطقة مليلية بأجمعها[9].
وبعد ما أصبح معروفا عند الإسبان بمزاياه الشخصية، سمح له في تحرير صفحة
باللغة العربية في جريدة " تلغارف
الريف" El Telegrama
del Rif ، وهي الجريدة التي يصدرها المكتب السياسي الاسباني
بمليلية تحت رئاسة الكولونيل موراليس[10].
ومن الألقاب التي حملها:
§
لقب
الأمير: بصفته أمير الجهاد وأمير منطقة الريف، وكان يستخدمه عندما يكاتب الأوربيين
أو يخاطبهم، ويشير إلى أن مرجعية الأمير الإسلام، وقد احترم الأوربيون ذلك في
كتاباتهم فكتبوها « Emir »
§
عبد الكريم: هو اللقب الأوسع انتشارا محليا
ودوليا، وهو الاسم الشخصي لوالده وكان يستحسن المناداة عليه بهذه الصفة تقديرا
لدور والده في تكوينه وتوجيهه
§
مولاي محند: محند تطلق على محمد في اللسان
الريفي، ومولاي معروف ومشهور عند المغاربة بأنها تطلق على الأخيار كالأولياء،
وسياسيا على أبناء السلاطين أو السلاطين أنفسهم
§
ابن عبد الكريم: للتمييز بينه وبين والده
§
الريفي أو الزعيم الريفي: تحاول نزع الصفة
الوطنية عنه وتدرجه ضمن الزعماء القبليين
ü سمات شخصية
محمد بن عيد الكريم الخطابي
ومع توقيع السلطان مولاي عبد الحفيظ - تحت ضغوطات - في 30 مارس 1912 على
معاهد الحماية مع فرنسا، التي استولت بموجبه فرنسا على جنوب المغرب، وحصلت اسبانيا
على القسم الشمالي منه بموجب مفاوضات جرت يوم 2 نوفمبر 1911، وبحكم معرفة محمد بن
عبد الكريم بأهداف الاستعمار الاسباني، كانت السلطات العسكرية والسياسية، تجامل
هذا الشاب حتى لا يتمرد عليها وهنا حاول الكولونيل موراليس كسب محمد بن عبد الكريم
طمعا ليكون عونا له لتوعية أهالي الريف بالفوائد المتوخاة من الحملة
الاسبانية"، وكان ذلك خلال سنة 1914، أي خلال الحرب العالمية الأولى، حيث
حاولت ألمانيا، " أولا وقبل كل شيء أن تدفع بالقبائل التي كانت تعيش تحت
الحماية الفرنسية نحو التمرد، لإيقاف ذلك التيار الهائل من المجندين والمواد
الغذائية التي كان يتدفق على باريس، وعندما تحادث ابن عبد الكريم سنة 1917 مع احد
العملاء الألمان ولم يخفف موقفه المعادي للاستعمار، اعتقله الأسبان وأودعوه السجن
لمدة سنة"[11].
وعندما تم إطلاق سراحه غادر مليلية السلبية فرجع إلى " أجدير" التي بدأ منها حملة ضد اسبانيا رفقة والده (عبد الكريم)
وأخيه (أمحمد) الذي كان يدرس في مدريد وهنا سيلقن لهم الأب ( عبد الكريم ) أسرار
الحرب وخططها، يقول محمد "... لم يكن والدي في الريف زعيما سياسي فحسب وإنما
كان قائدا حربيا أيضا، فأخذت عنه الكثير من خططه الحربية ومعارفه
العسكرية..."[12]، أما في سنة 1921 فثار على الاستعمار الاسباني
وانتصر عليه انتصارات باهرة[13].
فقد دخلت فرنسا لمؤازرة جارتها فخاض ضدهما حربا مريرة حتى يونيو 1926 فشهد
بذلك الأعداء والأصدقاء[14].
وبعد نهاية الحرب الريفية التحررية، سينفى محمد بن عبد الكريم إلى جزيرة La réunion بالمحيط
الهادي، ولبث فيها عشرين سنة حتى عام 1947م حيث سيحل لاجئا سياسيا بمصر إلى أن
وافاه الأجل في رمضان 1382 هـ المواقف لفبراير 1963م، على الساعة الثانية عشر ليلا
ودفن بمقبرة الشهداء بالقاهرة.
ب- بداية العمل السياسي لدى محمد
بن عبد الكريم الخطابي:
إن ما يحز في نفوسنا حقيقة مايذهب إليه بعض الباحثين عندما يقزمون الحركة
الوطنية المغربية، فيجعلون من ظهير 16 ماي 1930 بداية للحركة الوطنية، متغافلين
ثورة محمد بن عبد الكريم الخطابي ومعاركها التحررية.
ولكن هناك رأي آخر في مقابل هذا الرأي، يرى بعكس ذلك، يقول محمد زنيبر
"لكن الذي يثير إعجابنا هو أن الثورة الريفية حملت كل المعاني والمضامين التي
تمخضت عن الحركة الوطنية في كل مراحلها التالية، مما يجعلنا نتساءل هل أضافت تلك
المراحل شيئا جديدا إليها، على المستوى الفكري والإيديولوجي، لاشك أنه كانت هناك إضافات
نذكر منها، مثلا، تنظيم الطبقات العاملة كقوة سياسية نضالية، وإدخال الصحافة كأداة
كفاح، لكن، هل شكل ذلك الانفصال قطيعة، بكل معنى الكلمة؟ الواقع إننا إذا أمعنا
النظر في الاتجاهات والغايات الجوهرية، لانجد إضافات بكل معنى الكلمة، بل نلاحظ على الرغم من التغيير الكبير الذي طرأ
على إطار العمل والقيادات وخطة النضال، ارتباطا واستمرارية بين المرحلتين، ويكفي أن
نقف لحظة قصيرة عند الثورة الريفية فعند تحليلنا للثورة الريفية نتأكد من احتوائها
على كل البذور التي ستنمو بها الحركة الوطنية"[15].
وأضيف نصا آخر لباحث أجنبي معروف بالصراحة والدقة في التحليل وأعني به hart David M الأنثروبولوجي الأمريكي الذي اهتم كثيرا بدراسة
المجتمع الريفي وبني ورياغل، يقول في بحثه له، "...طالما قيل أن السي محمد
تغير موقفه من الإسبان بعد الخصومة التي جرت بينه وبين الجنرال فرناندز سلفستر وما
ترتب عنها من سجن القاضي.
إننا نعتقد على العكس من ذلك، إن ذلك التغير حدث له لما أدرك نتائج السيطرة
الاستعمارية على المغرب، سواء كانت اسبانية أم فرنسية، والواقع انه كان يريد
استقلال الريف بأي ثمن ولما غادر مليلية في أواخر الحرب العالمية الأولى، على أساس
أن يرجع إليها، وعاد إلى بيته في أجدير حيث التحق به أخوه السي امحمد، كان آنذاك
رائدا للوطنية المغربية"[16]،
ومما يزيدنا تأكيدا هو أن الأحزاب السياسية التي قادتها الحركة الوطنية لم تكن
موجودة على الساحة من قبل بالشكل الذي توجد عليه الآن، بل لم تكن معروفة أصلا، ولم
تظهر إلا بعد انهزام المقاومة الريفية التي قادها القائد الوطني سي محمد بن عبد
الكريم الخطابي ضد التدخل الأجنبي نتيجة التحالف الاسباني الفرنسي من جهة،
واستعمالها للغازات السامة في الحرب من جهة ثانية، مما اضطر وقف المقاومة والاستسلام
حقنا للدماء في27 ماي 1926م.
ج- التنظيم السياسي عند ابن عبد الكريم الخطابي وإرهاصات نشوء جيش
التحرير:
في ماي 1921 م
كان بضع مئات من رجال " بني ورياغل " قد انتقلوا إلى مكان بأرض القبيلة المجاورة لهم
- ايت تمسمان - يسمى " القامة "[17]،
وأقاموا فيه معسكرا للمراقبة والاستعداد لقتال الجيش الاسباني الزاحف، وهذه
الجماعة من المجاهدين بتفاعلها مع الأحداث المتعاقبة شكلت بؤرة السلطة السياسية والعسكرية
التي ستنمو وستطور، ويتم الإعلان عنها رسميا في يوليوز 1921م تحت اسم "حكومة
جمهورية الريف "، فهل يا ترى كانت دلالة جمهورية الريف مطمح ابن عبد الكريم
في تأسيس كيان سياسي مستقل؟
أم أن الأمر لا يعدو أن يكون تسمية شكلية لاتمت بصلة إلى الطرح الانفصالي
في غايتها؟ بعبارة أخرى هل كان تأسيس " جمهورية الريف " خطة ترمي إلى
تكوين قلعة محصنة وقوية تكون منطلقا لتحرير البلاد أم هو انفصال عن باقي التراب
المغربي؟
والواقع أن الحيز الذي تشغله الحركة السياسية عند الأمير سي محند ضمن
المؤلفات التاريخية الخاصة بالمغرب، لا تتناسب مع قيمتها وإشعاعها التاريخين بل
يمكن الحديث عن صمت تأريخي لا مبرر له إزاء هذه الملحمة، وحيث نجدها، وكما يقول
جرمان عياش " مختزلة في بضعة أسطر، هذا إذا لم يتم الحديث عنها بشكل عرضي،ـ
ضمن مؤلفات حديثة مخصصة بالضبط لهاته المرحلة المسماة بمرحلة التحرر من
الاستعمار"[18].
وهنا تظهر المفارقة إذ ليس من المنطق أن نتناول تاريخ مقاومة الاستعمار
بالمغرب، ولا يتم الوقوف مليا عن أسطع وجه لهذه المقاومة، ألا وهي المقاومة
الريفية، باعتبارها وبشهادة علال الفاسي ثورة وطنية تحريرية غايتها تحرير المغرب من يد الاستعمار
الأجنبي، ولم تكن بحال تمردا على السلطة المركزية المغربية، كما حاولت نشر ذلك إدارة
الأمور الأهلية الفرنسية والاسبانية في المغرب أثناء الحماية"[19].
وسيزكي هذا الطرح عبد الرحمن اليوسفي أيضا بقوله "ولما كانت دولة
الريف قد تكونت بسبب وفي منظور حرب تحريرية فقد كان من الطبيعي أن تتشكل أول نواة
شعبية كانت بمثابة أساس للدولة، من القبائل الريفية المحررة كبني ورياغل وتمسمان
وبني توزين وبقيوة، وأن تتسع الدولة لتضم فيما بعد كافة الجماعات في منطقة الشمال،
ومع ذلك فقد تحدث ابن عبد الكريم في كتابات وتصريحات كثيرة له، وخاصة في الرسائل
التي كان يبعث بها إلى قادة المقاومة الشعبية في المناطق المغربية الأخرى، عن "الأمة
المغربية " وعن " الشعب المغربي ". ولم يكن حصر مطامحه على الصعيد
الرسمي في إنشاء دولة تقتصر على المنطقة الشمالية إلا تعبيرا عن إستراتيجية حكيمة
وواقعية ومتوسطة المدى، كانت تفرضها مقتضيات توازن القوى، وهي بالضبط هذه السياسية
الواقعية التي حملته، على الدوام، على طرح مسالة حدود هذه الدولة"[20].
وأخيرا أدرج تصريحا لوزير خارجية الجمهورية الريفية السيد " أزرقان
" في مذكراته " الظل الوريف في محاربة الريف "، يشير إلى كون "
الجمهورية الريفية تجمع بين القبائل الامازيغية وهي الأكثرية وأخرى تتكلم العربية
من بينها بني يطفت وبني بوفراح ومتيوة ومسطاسة وبني جميل..."[21].
وهذا يدل على أن فكرة القومية كانت ملغاة من القاعد الشعبية وأن الأمير،
ولو أكثر في الحديث عن الريف في تصريحاته، فإنه كان ينزه قاعدته الشعبية عن أي
عصبية ضيقة، يقول لGabrielli
"إن ابن عبد الكريم قام
بدعاية مكثفة في اتجاه مختلف مناطق المغرب معلنا أن ساعة النصر قد دقت بتحرير
المغرب من أجدير إلى اكادير"[22].
يبدو إذن واضحا من خلال النصوص السالفة إن إعلان الأمير الخطابي عن تأسيس
جمهورية الريف، لم يكن يحمل في طياته الرغبة في تأسيس كيان سياسي منفصل عن باقي
التراب المغربي، وإنما كان هذا الإعلان عملا دعائيا يهدف إلى استقلال الريف أولا
ثم باقي التراب الوطني.
[8] - مذكرات بطل الريف الأمير عبد الكريم 1927،
روجر ماثيو، ترجمة عمر أبو النصر، مطبعة فضالة، ط. 2005، ص: 41.
[9] - رود ييرت كونز، رولف دييتر مولر، "حرب الغازات
السامة بالمغرب: عبد الكريم الخطابي في مواجهة السلاح الكيميائي، ترجمة عبد العالي
الأمراني، منشورات فيد باك ، ص47.
[12] - الحسن حمو "محمد بن عبد الكريم الخطابي وثورة
الريف"، عن Regor
Mathieu في كتابه "ثورة عبد الكريم الخطابي" ص97،
نقلا عن مجلة "الفرقان"، المغربية، ع 12، سنة 1988.
[14] - وصف "هوشي منه" زعيم الثورة الفيتنامية
محمد عبد الكريم الخطابي بـ"البطل الوطني المؤسس للحرب الشعبية"، واعتبر
المستشرق Vicent Monteil الزعيم الخطابي "المنظر والمطبق الأول
للحرب الثورية".
[15] - محمد زنيبر، "محمد بن عبد الكريم ونشوء الفكر
الوطني المغربي" ص: 29، نقلا عن مجلة تاريخ المغرب، ع3، سنة 1983.
[17] - القامة: أو رباط القامة سمي بهذا الاسم نسبة إلى
جبل القامة بقبيلة تمسمان الذي يطل على خليج الحسيمة و جزيرة نكور، وتشهد المحاور
الاسبانية أن محمد بن عبد الكريم جاء برفقة أبيه سنة 1920 قصد تأسيس هذا المركز
الذي يبعد عن جبل " أبران " بحوالي 6 كيلومترات.
[18] - جرمان عياش، "أصول حرب الريف" ترجمة محمد
الأمين البزاز وعبد العزيز التمسماني خلوق، الشركة المغربية المتحدة، 1992، ص: 12.
[19] - محمد العلمي، "زعيم الريف محمد عبد الكريم
الخطابي"، المنشورات الأطلسية، الدار البيضاء، بدون تاريخ، ص: 6.
[22] - عبدالقادر بوراس، "ليوطي وموقف الحماية الفرنسية
من حرب الريف مابين 1921-1925"
ص: 86، نقلا عن مجلة "الأمل"، ع8، سنة 1996.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق