خلال
النصف الثاني من القرن العشرين ،وتحديدا مع مطلع الثمانينات، شكل موضوع التنمية
مجالا خصبا للدراسات الاستراتيجية هذا الاهتمام بالتنمية في علاقتها بالأبعـاد
الإيكولوجـــية والإجتماعية والاقتصادية ،سيتـــوج سنة1987 باصدار تــقرير
استــراتيجي وازن بعنـــوان
هذا التقرير
الصادر عن اللــجنة العالمية للبــيئة والتــنمية تم إنجازه[Notre
avenir à tous]
من طرف 22 عضوا من كبار الخبراء في مجـــــال التنمية،
وتكمن أهمـــــيته في كونه يمثل المرجع الأساس لكل السياسات التنموية المتبعة
إقليميا ودوليا ،من ناحية أخرى تبرز أهــــمية
هذا الــــتقرير
في كونــــــه يمـــــــثل خلاصة
للعديد من التـــقارير
الـــدولـــية التي
] رئيــسة وزراء النـرويج الــــسابــقة Gro
harlem Brundtland تــقدمـت بها السيدة
من الناحية الشكلية: هذا التقرير تمت تــــرجمته إلى العـديد من اللغات من بينها الفرنــسـية
والروسية والألمانية هناك تلاثة طبعات بالفرنـسية لهــذا
التقــرير الذي يعرف عند الـبعـض
. الطبعة
الأولي شاركت فيها جامعة أكســفورد
سنة 1987 حيثBrundtlandبتقرير
[Un manuscrit dactylographié]تشبه الطبعة مخطوطا كتب على الآلة الكاتبة
[Les éditions des fleuves الطبعة
الثانية : نشرت سنة
1988 من إعداد :
Développement durable في هاته الطبعة تم تغيير مفهوم التنمية المستدامة :
]Le développement
soutenable بالتنمية الداعمة : [
الطبعة الثالثة : تحمل تكليف النشر وزير البيئة بكيبيك بعدما رفض وزير
البيئة الفرنسي
1989 تمويل عملية الطبع والنشر/.[Brice lalonde]
أيضا من الناحية الشكلية ، خصص الفصل الثاني من التقرير المشار إليه سلفا لموضوع التنمية
المستدامة ، وعموما يمكن القول أن هذا الفصل اشتمل على ثلاثة محاور أساسية
بالإضافة إلى المقدمة والخاتمة وتتوزع المحاور على الشكل
التالي:
المحور الأول :
التنمية المستدامة
] La notion du développement durable[
المحور الثاني
الإنصاف والمنفعة المشتركة
]L’équité et l’intérêt commun[
المحور الثالث
ا لواجبات الاستراتيجية
] Les impératifs stratégiques[
قراءة في الفصل الثاني من تقرير
جاء في مقدمة الفصل الثاني من التقرير مايلي: -
« Le développement durable est un développement
qui répond aux besoins du présent sans compromettre la capacité des générations
futures »
استنادا إلى هذا التعريف يتضح بجلاء أن التنمية
المستدامة هي تنمية يفترض أن تستجيب لحاجات الأجـــيال الحالية دونما اســتنزاف
لحاجات الأجــيال اللاحقة هذا التعريف يرتبط جدليا بتصوريين متلازميين أحدهما إبلاء أهمية قــسوى لحاجات الطبقات الفــــقيرة
والآخر يرتبط بـــمدى قدرة الــوسط البيئي على تلبية الحاجات الآنية والمستقبلية للجليين
معا جيل الحاضر وجيل المستقبل
من جانب آخر تحــــدث التقرير المشار إليه حول الأهداف
الاقـتصادية الاجتماعية واعتــــبر عامل الـــــزمن عاملا حاسما في تحقيقها ليـس
فقط في الدول المتقدمة أو السائرة في طريق النمو ولـــكن أيـــضا فـــــي الدول
التي يعــــتمد اقتـــــصادها على السوق أو على التخطيط لكن أيضا يمـــكن الاتفاق
حول تمثل الأبعاد الأساسية في تعريف مفهوم التـــنمية المستدامة كما يمــــكن أيـــضا
الاتفاق حـــول وضع إطار استراتيجي يسمح للوصول إلى بلوغ الأهـــداف المرجوة بأقل حـــد من الخسائر.
من جهة أخرى إن
مفهوم التنمية المســــتدامة في علاقته بالتقدم يستلزم إحداث تحول تدريجي للمجتــمع وللاقتصاد،هذا التحول على المستوى
النظـــري يقتضي تداخلا في إطار بــــنية اجتماعية وسياسية بمعـــــنى آخر لا
يمكن بلوغ الأهداف المنتظرة ما لم نضع في
الحــــسبان جملة من الاعتبارات كالحق في الحصول إلى الموارد بصورة عـــــادلة
والتــــوزيع العادل للـــثروة والمــــنفعة.
أيضا أشار التقرير إلى أن التنمية المــــستدامة
تجعل من مـــــسالة تحقيق العدالة الاجتماعية بين الأجيال مسالة أساسية ، لأنه من
المـفترض أن يجد هذا الانشغال بـــــفكرة العـــــدالة الاجتماعية بين الأجـــــيال
صدى داخل أوســــاط نفس الجيل.
1- مفهوم التنمية المستدامة
لاحظ التقــــرير أن الهـــــدف الأساسي للـتنمية
المستدامة يكمن في تلبية الحاجات الضرورية كــالحق في العمل والحق في السكن والحق
في الأكل واللباس، فحـــــسب التقرير لم تتــوفق الدول السائرة في طريق النمو في
تلبية تلك الـــــحاجات ، ومادام الأمر
كذلك فالعالم الـــذي يعاني من الفقر والظلم سيكون دائما عرضة للأزمات
الخطيرة والتي من ضمنها الأزمات البيئية فإذن مفهوم التنمية المستدامة يعني أن
الحاجات الأساسية لجميع الأفراد قد اشـــبعت بما في ذلك انتـــــظارات شرائح عريضة
من المجتمع ورغبتهم في الحصول على حياة كريمة.
إن مسألة عـــــقلنه تدبير الموارد الأساسية
قــــصد ضمان حد أدنى يمكن الاتفاق عليه للاســــتفادة من الـــــثروة تعد من
الأهمية بمكان ،ففي نفس السياق لاحظ التقرير وجود عدد من الأفراد المحرومين من
الاستفادة من مصادر الـــطاقة ،لهذا وجـــــب الاتفاق مسبقا على أهمية تحديد
الحاجات الاجتماعية والثقافية كخيار استراتيجي لتحقيق الــــتنمية المستـدامة
،بمعنى آخر ينبغي التركيز على ترقية وتشــــــجيع القيم التي تسهل عملية الاستفادة
من الاسـتهلاك داخل إطـــار ما هو ممكن
بيئيا ومـــسوغ من الناحية العقلية وذلك قصد تلبية الحاجات الأساسية.
أيضا تناول التـــــقرير علاقة الــتنمية
المســــتدامة بالمجال الاقتصادي حيث أشــــــار إلى أن التنمـــــية المســــتدامة
تفرض تنمية اقتـــــصادية ،فالتنمية المســــتدامة والنمو الاقتصادي لا يمـــــكن
الفــصل بينهما فالنمو الاقتصادي مطالب باحترام
ثوابت التــــنمية المستدامة كتفـــــادي الاســــتنزاف للثروة البيئية
،بمعنى آخر يــــنتظر من الـــــتنمية المــــــستدامة في علاقتـها بالنمو الاقتصادي
الرفع من الانتـــــاجية لكن أيضا وجـب أن تراعي مــــسألة تكافؤ الفرص بين الجميع
من هنا يمكن القــــــول أن تلبية حــــاجات فئة اجتماعية ما على حساب فئة
اجتماعية أخرى مــــــسالة مرفوضة في فلســـفة التنمية المستديمة فالتــــنمية
المســـــتدامة تخـــــــتلف تماما مع مــــــنطق الإقصاء والتهميش الذي يطال شرائح
من المجتمع.
إن مسالة الإسراف في اســتخدام الموارد قد
تخـــــدم مصلحة فئة اجتماعية دون أخرى
تماما مــــثلما هو الشـــأن بالنسبة للتقدـــــم التكنولوجي الذي قد يلعب دورا
مهما في معالجة بعــــــض المشاكل لكنـــــه في بعـــض الأحـــيان يــمكن أن يتسبب
في مشاكل عــــويصة حيث يمكن أن يؤدي إلـــى تهـــميش فئات عريضة من المجتمع
إن النمو الاقتصادي المنشود هو ذلك النمو
الذي يسير في نفس الخط مع
، وعدم
الاســــتنزاف [La durabilité]
الاستمــرارية مبـــــدإ
[ Non exploitation]
لأنه في غـــــياب هذين المبــــدأين نؤثر سلبا على
المحيط الاجــتمـاعي والبيئي ،
من ناحية أخرى سجل التقــــرير ارتفاع تـــدخل
الإنسان في النظام البيئي
كاستنزاف
الـــــغابات وانبعاث الــغازات السامة
[Ecosystème]
واستخراج المعادن، فإلى وقت قـريب كانت تـــــلك المظاهر محدودة في حجــــــمها وتأثيـــراتها لـــــكنها
اليــــوم أصـبحت خطـــــيرة وجـــــائرة
تهدد
الثروة المحلية والعالمية ،لكن هـــاته التهـــديدات لا يمكن تلافيها
بالمعنى الضيق فإذن التـــنمية المستـدامة تعني عدم [draconienne]
المخــــاطرة بالنظـــام الإيكولوجي الــــذي
تـــتوقف عــليه حياتنا .
من جهة أخرى تناول التقرير ما اصطــلح عليه
بالـــكارثة الإيــــكولوجية والتي لا تنحصر فقــــط في استنزاف مصادر الـطاقة أو الاستغلال
المفرط للمواد الخام أو الماء أو الأرض ، لكن أيضا يـــمكن أن تظهر تلك الكارثة
الإيكولوجية من خلال اختفاء مورد من
الموارد أو انخفاض في الإنتاجية والمردودية.
وتفاديا للوقوع فـــي هكذا كارثة أقترح
التقرير تطوير المعارف والتقنيات التي تسمح بالحفاظ على تلك الـــثروات التي تجود
بـها الطبيعة، وفي هذا الإطار يجب الإتفاق حول حد أدنى من الاســـتفادة من الـــموارد
بعيدا عن منطق الاستنزاف والاحتكار .
تحدث التقرير أيضا عن الموارد القــابلة
للتجديد ،وأشار إلى أن استخدام تلك المـــوارد يقلص حتما المخــــزون الذي ستحتاج
إليه أجيال المستقبل لهذا وجب مراقبة ايقاعات اســتغلال تلك المـــوارد وإدخال طـرائق
إعادة تأهيل استغلال تلك الموارد، والإسراع في إيجاد بدائل تفاديا لانـدثار تلك الموارد .
إن الاستــــغلال المفرط للـــنظام
الإيكولوجي يتسبب لا محـالة في اختفاء أنــــواع من الحيوانات والنباتات ، الأمر الـــذي يــؤثر سلبا على
الأجيال القادمة ،فاختفاء فصيلة حيوانية أو نباتية تجعل من مسألة إعادة إنتاجها
مسألة مستحيلة
« or une fois éteinte une espèce ne se
renouvelle plus jamais »
أيضا أشــــــار التقرير إلى أن
الاستفادة مـــن الموارد الطبـــيعية
كالماء والهواء يجب أن تخضع لعملية الترشــــيد تلافيا للأضرار الســــلبية التي
تنجم عن الاســــتخدام المفرط لهاته الثروات لهذا اقـــترح التقرير مسألة الاتفاق
حول حد أدنى للاســـتفادة من تلك الــــثروات.
من ناحية أخـــــرى انتهى التقرير إلى تـعريف
جــــامع للتنمية المستدامة
« Développement durable est un
processus de transformation dans lequel l’exploitation des ressources la
direction des investissements l’orientation des techniques et les changements
institutionnels se font de manière harmonieuse et renforcent le potentiel
présent et à venir permettant de mieux
répondre aux besoins et aspirations de l’humanité. »
ما
نـستشفه من هذا التعريف هو كون الـتنمية المـــستدامة سيــــرورة من التحولات التي تـــــتداخل فيها مجـموعة من العمليات
:كاســـتغلال الموارد وإدارة الاســتثمارات وتوجيه الـــتقـــنيات والتـــــغيرات
الــمؤســــسية بما يضمــــن تلبية حاجــــات الأجيال الحاضرة ويــــــحافظ على مـــوارد
أجيال المستقبل في ســياق إشباع الـــــحاجات الأســــاسية و الارتقاء إلى مستوى
الانتظارات الانسانية
من جانب آخر انتقد التقــرير الممارسات الـــجائرة
بحق النظام البيئي بدافع تحقيق المصلحة الشخصية وأشار إلى أن السبب في ذلك يعود
إلى التفاوت في السلطة الاقتصادية والسياسية.
أيضا لاحظ التقــرير غياب مفهوم المصلحة الـــمشتركة
،فهناك مثلا مناطق تزخر بغـابات كثيفة لكنها تعاني من الاســـتنزاف إما بسبب نفوذ
سياسي أو اقتصادي لفئة اجتماعة ما ،وإما أن الناس يلجأون إلى تدمير الغابات لأنهم
يحتاجون إلى الخشب ولا يتوفرون على حلول بديلة.
من هنا يمكن القول أن التنمية المســــتدامة
جاءت لترد الاعتــبار للمكونات البيئة وتحـــــذر من خطر العــــــبث بالثروات الــــتي
تـــــجود بها الطــبيعة
أما في سياق مواجهة هاته المعضلة اقترح التقـــــرير
مجموعة من التدابير كتوقيع الجزاءات على المخالفين و فرض الـــــضرائب لكن الســؤال
الذي يفرض نفسه علينا هو:
كيف إذن يمكن أن نجعل الأفراد يقتنعون
بالعمل لصالح المجتمع ويبتعدون عن منطق استنزاف الموارد؟
يؤكد الـــــتقرير أن الجـــواب عن هذا التـــــساؤل
يكمن في التربية وتطوير المؤسسات من جهـــــــة ، وفي التطـــــبيق الصارم لــلقواعد
الـــــقانونية،
كما أشار التقرير أيضا إلى مسألة تقديم
مساعدات مالية.
إن التـــــطبيق الصارم للقوانين ،وتـــــبني
مشاريع قوانــــين صارمة تحدد المسؤوليات يمكن أن تـكون مدخلا لضـــــبط التأثيرات
الســـلبية لظـــــاهرة الاستنزاف هاته من جانب آخر أشار التقرير إلى دور المجتــــمع
المدني في اتخاذ قـــرارات موازية لمساعدة الأجهزة الأخــــرى لتوعية الأفراد
بمفهوم المصلحة المشتركة.
أيضا أشار التقــــرير إلى التباين الحاصل
بين القرارات الــسياسية الصادرة عن أجهزة حكومية ونتائجها على البيئة
« L a politique énergétique dans un
pays peut provoquer des précipitations
acides .»
يضاف إلى هـــــذا كله وجود فراغ
قانوني في مجــــال تنظيم ســياسة صيد
الأسماك حيث يتم التعامل فقط بالاتفاقيات في هذا الشأن.
جاء في التقرير مايلي:
« La politique en matière de pêche
d’un état peut influencer sur les prises d’un état .Il n’existe aucune autorité
supranational. »
أيضا انتقد التقرير جــــملة من المــــمارسات
السـلبية كالتوزيع الغير العادل للثروات ووجود نظــــــام ضرائبي غير مـنصف
واحتكار الـــموارد الطبيعية من قبل ذوي السلطة والنفــــوذ لأن المتضرر بحـسب
التقرير هو المواطن الفقير الذي يعاني
الأمرين جراء ذلك الاستغلال المفرط للـــثروات فمثلا نجد عددا كبير من الفقراء يقطـــــنون
في الأماكن التي تقــام فيها المصانع حيث يتأثرون بانبعاث الغازات الـــسامة من الــــمعامل
يحدث هذا في الوقت الذي ينعم فيه الأغنياء بالعيـــش في مناطق فاخرة ن كـــما أن الاستغلال
المفرط للــــثروات يلحق الأذى بفـــئات عريضة من السكان حيث نجد المـستشفيات
ممتلئة بهم
لهذا جاءت التنمية المستديمة لتعـــيد الاعتبار
للــمواطن البـــسيط من خلال التركـــيز على مبدإ المـــــساواة والعـــدالة
الاجتماعية. كما دعــت إلى تبني مقاربة جديدة تــــقوم على قاعدة تغــــيير الدول
لســياساتها التنمية والبيئة
وعلى هذا الأساس حدد التقرير سبعة أهــــــداف
أساسية لا يمكن الاستغناء عنها لتحـقيق تنمية مـستدامة وازنة
1- إعادة النظر في مــــفهوم الــنمو
2- التغيــــير فــــي جـــودة الـــنمو
3- تلبية الـــحاجـــات الأســاســـية
4- ضــبط الــــنمــو الديــمغرافـــي
5- حماية وتثمين الموارد الأساسية
6- تبني ســـياسة لتدبير المـــخاطر
7- إدماج الاعتبارات المرتبطة بالمجال
الاقتصادي والبيئي في اتخاذ القرارات القرارات.
1- اعادة النظر في مفهوم النمو
اشـــتمل
هذا العــــنصر على ثــــلاثة أفكار أساسية نختزلها فيما يلي:
-
التنمية المستدامة تتجه إلى شريحة عريضــة من الناس تعاني الفقرالمدقق
- التنمية المستدامة يجب أن
تـــسعى إلى ضبط اســـتغلال الموارد بطريقة
سليمة ومتوازنة
-
التنمية المــــستدامة تهـــــتم بتلك الــدول الـــــسائرة في طــريق الــــنمو
-
امكانية التحـــــكم في نســـــبة النمو الـــــــسكاني في العـــــالم
حسب ماورد في التقرير المعطيات الرقمية التي
تم تسجيلها خلال 25 سنة الماضية تؤشر على أنه يمكن تحقيق نسبة 5 في المئة من النمو السكاني في العديد من الدول كالصين
والهند،هــــــذا الوضع ينطبق أيــضا على دول أمريكا اللاتينية فقد بلغ مــــــعدل
النـــــمو 5 في المئة خــلال العقد السادس والسابع من القرن العشرين أما في العقــــد
الثامن من الـقرن العشرين فقد سجــــلت معــــــــدلات
النمــــو انخــــــفاضا كبيرا بســـــبب أزمة الديـــــون
أيضا خلال نفس هاته الفترة الزمنية انــخفض
النمو بمعدل 2/3 في جميع الدول كما لوحظ
أيضا أن دخل الفرد قد تقلص لهذا يمكن القول أن مـــسألة تصحيح الاختلالات التي أدت
إلى الارتفاع في وثيرة النمو السكاني
مسألة لا غبار عليها إذا كنا ننشد تحقيق تنمية مستدامة.
2-التغيير في جودة النمو
إن نظرة التنمية المستدامة لمفهوم النمو
يختلف تمام عن ما كان متداولا في الماضي فالنمو ينبغي أن ينـــظر إليه من خلال
الاســــتخدام المعقــلن لموارد الطاقة والمواد الخام كما أن الثروة أو العـوائد
ينبغي أن توزع بطريقة عادلة لأن الغرض من ذلك كله هو المحافــــظة على الرأسمال
الإيكولوجي ،وتفادي الوقوع في الأزمات الاقتصادية.
إن النمو الاقتـــــصادي يجب أن يقـف على قـــــاعدة
صلبة ومســـتقرة تلافيا لاستنزاف الثروات الطبيعية :كالماء والهــــواء والأرض. ومـــــن هنا يمكن
القول أن محاولة قياس النمو الاقـــتصادي لايتم بمعزل عن مدى احـترام هذا النمو
للموارد الطبيعية من عدمه ،فتوزيع الثـــــروة بحكمة يعـــــد أحد أوجه جودة النمو لكن يبقــــــى الحذر في التعــــــامل
مع هذا المعطى، فمثلا النمو السريع الذي يقوم على أســاس توزيع غير مــــتكافئ
للعوائد يمكن أن يكون أكثر ضرر،إذا ما تمت مقارنته بالنمو البطيء الذي يقوم على
أساس توزيع الثروة على الفقراء، وفي هذا السياق أشــار التقرير إلى أن إدخــــال
التركيز على فلاحة تسويقية ذات طابع تجاري محض تساعد على ظهور أصناف من الوجبات
الغذائية الجديدة لكن بالمــــــقابل سيحصل التنافس بين أصحاب هذا القــطاع وقد يــــــضر
بالعديد من الفلاحين حــيث يصار إلى رفع الحيازة عن الأرضي الفلاحية لهؤلاء بل ويســــــبب
ذلك في تـــكريس منطق التفاوت في توزيع الثروة على المدى البعيد.
لهذا لا يمكننا أن نصف ذلك النوع من التنمية
بأنها تنمية مســتدامة لأن ذلك العمل وإن كان ظــاهريا يعد مــــظهر من مظاهر
النمو الاقتصادي ،فإنه على النقــــيض من ذلك يــــــساعد على تفـــــقير شريحة مهـــــمة
من المجـــتمع
لايملكون سوى قطعة أرضية يقـــــتاتون منها.وتـساعدهم
على البقاء أحياء.
إن تحقيق التنمية المستدامة لا ترتبط بمتغـــــيرات
اقتصادية فحسب ،وإنــما أيضا ينبغي الاهتـــــمام بالماء والهواء وحـــــماية
الطبيعة بمختلف مكوناتها
من ناحية أخرى ربط التقـرير بين تحقــــــيق التــــــنمية المستدامة ومسألة
التخلص من بعض العوائق التي تقف حائلا أمــــام
إيجاد حلول لأولئك الذين يقطنون المناطق النائية وكذلك الرحل والقاطنين بالغابات
والسكان الأصليون بأستراليا .
حسب التقرير ينبغي تغيير مــقاربتنا لمفهوم
النمو بحيث ينبغي لنا أن نتحدث على جودة النمو وهذا يستلزم تغيير مقارباتنا للنمو،
فمــــثلا القيام بمشروع هيدرولوجي لا ينبغي النظــــر إليه من زاوية واحـــــدة وهي إنــــتاج الطاقة الكهربائية ،ولكن من زوايا
متعـــددة بمعنى ينبغي البحث عن تــــأثيراته على البيئة المحلية وعلى وسائل عيش
السكان.
إن هناك تلازما بين النمو الاقتصـادي والنمو
الاجتماعي فـــــمثلا الاعتمادات المالية التي تستثمر في التدريس والصحة يمكنها أن
تــساعد على الرفع من الإنتاجية ،فالنمو الاقتـصادي يســــتطيع أن يرفع من وثيرة
النمو الاجتماعي من خلال الإمكانات المتاحة للفئات الاجـــــتماعية المهمشة.
3- تلبية الحاجات الأساسية
إن تلبية الحاجات وتحــقيق الانتـظارات التي
يـطمح إليها الأفراد تعد من بين الأهداف الأساسية في العملية الإنتاجية ،لهذا وجب الانتباه إلى أن
الـحق في العــــــمل مسألة أساسية وحاجة لا يمكن إغــــــفالها فمثلا مابين عام
1985 و2000،حصل هناك تزايد سكاني مهول ،فالــسكان القادرون على العمل بلغ عددهم
900 مليون شخـــص ،بمعنى أنه يجب أن نجـــــد العمل ل60 مليون شخص في العام.
ونحن نتحدث في التنمية المــــستدامة ينبــــغي
تثمين تلك الموارد التي توجد على نطاق واسع في كوكــبنا الأرض لكن أيضا يـــــجب
أن نـــــقوم بتغيــــير السياسات التي تمكننا من مواجهة تدفق الاستــهلاك في
العالم الصناعي لهذا يمكن القول أن مسألة المحافظة على الثروات الطبيعية لا يـــنبغي
أن تنحصر في البعد الاقتصادي و إنما يفترض أن يكون الــــــباعث على ذلـــــك
الواجب الأخلاقي تجاه الكائنات الحية والأجيال القادمة.
إن التــــــنمية المـــــستدامة أو
السياسات الـــــتنموية يـــجب أن تـجــد حلا لمعضلة البطالة خاصة بالنسبة للعائلات
الأكثر فـــــــقرا وتحديدا في المناطق الأكثر تأثرا بالكوارث الطبيعية ،وهنا يطرح
التساؤل الآتي ماهي طبيعة تلك المساعدات الـــتي يــــمكن للتــــــنمية المســــــتدامة
أن تقدمها للمتضررين؟
يشير التقــــــرير إلى بعض من تلك المــــساعدات
كتقديم أشكال من النصائح للفلاحين، ومدهم بالأدوات والتقنيات الحديثة ، ومـــــــساعدتهم
على تسويق منتوجاتهم.
يركز الــتقرير على مسألة مهمة وهي أن السـياسات
التنموية يجب أن تضع على رأس أولوياتها المحــافظة على الموارد الفلاحـــية من
الزوال كما أشار إلى مسألة تشجيع الأبحاث العلمية التي تـــسير في اتجاه إيجاد
حلول لظاهرة استنزاف الموارد.
من جهة أخرى أشار التقرير توجه التــقرير
إلى الدول الصناعية ودعاها إلى مراجعة سياساتها وطلب منها أن تتبنى سياسات جديدة
تراعي سلامة البـيئة والمجتمع، فالمطلوب البـــــحث عن خيارات جديدة تــــرتبط
بالتدبير المعقلن للموارد البيئية والاستفاذة من تلك الموارد المتاحة بصورة سليمة
تحديدا في مجالات مثل السكن والتمدين والمواصلات .
من ناحية أخرى التفت التقرير للتقنيــات
للابــــتكارات العلمية التـي تـستخدم
للحصول على الموارد المخــــتلفة ،وفي هذا
السيــــــاق أشار التقرير إلى أن التنمية المستدامة تثمن تلك المخترعات والتـــقنيات
التي تقلـــص من ظاهرة
هذا
وقـــد دعا التقـــرير إلى البــحث عن[Recyclage]
التلوث مثل تقنية
بدائل استعجالية تساعد على الانخـــراط في
مسلسل التقدم وتساعد على تقية نمط العيــــش لدى الإنسان في الحاضر دون المــــساس
بحـقوق الإنسان في المستقبل.
لتحقيق التنمية المســــتدامة ينبـغي
الاتجاه في مـــــسار دعم وتثــبيت القدرة على التجديد التكنولوجي للـدول السائرة
في طـــــريق النمو زيادة بما يضمن للبيئة الطبيعية مكانا لائقا في قــــــلب التقدم
الاقتصادي فكثــيرا ما يلاحظ أن التقنيات المستخدمة مثلا في الــــــــدول الـــــصناعية
لا تتعايش مع العناصر والشروط الاجتماعية والاقتصادية والايكولوجية.
هذا وقد ألح التـــــقرير على تدخــــل
السلطات العمومية لحث المقاولات على احترام الوسط البيئي وتحديدا فيما يتعلق باستـــخدام
التقنيات التي تأخد بعين الإعتبار المحافظة على الوسط البيئي.
أيضا تحدث التقرير إلى مصادر تهــــدد
النظام البيئ من جهــة وتشكل خطرا حقيقيا على السكان نذكر منها:
- المفاعلات النووية وشبكات توزيع الكهرباء.
- أنـــــظمة الـــــتواصل والنــــــقل
المشــــترك.
وهكذا دعا التـــــــقرير إلى الاستعداد لوضـــــع
برنامج عمل للــتدخل السريع والاشعار بالأخطــار البيئية التي تهدد كوكب الأرض
،انطلاقا من وضع آليات ومكيزمات مؤســـــساتية ووطــــــنية ودولية لتقـــــويم
الأضرار الـــــمتوقعة
إن الخيط الناظم بين مختلف العناصر السالفة
الذكر في اســــتراتيجية التنمية المستدامة هو ضرورة ادماج الانشغالات الاقتـــصادية
والايكولوجية في بنية اتخاد القرارات، في الواقع هاته المشاكل التي تحدثنا عنها تـترابط
فيما بينها لهذا يفترض تغيير السلوكات والاتجاهات الســلبية التي لاتعرف سوى منطق
الاستنزاف والربح المادي على حساب مستقبل الانسان حــــاضرا ومستقبلا.
لهذا يعتـــــقد التقـــــرير أن الاعتـــــبارات
ذات البعد الاقــــــتصادي من جهة والايكولوجي من جهة أخرى ليستا بالضرورة تعرفان
تناقضا. لأنه يــــــمكن استدماج الأبعاد الاقتصادية والإيكولوجية داخــــل نسق
تشريعي وازن يحمى الطبيعة من الممارسات الجائرة كالاســـــــتنزاف ويحافظ للأجــــيال
الحاضرة والمــــستقبلة على حــــقوقها من الضياع.
من هنا يمكن القــــول أن فلسفة التـــــنمية
المســــتديمة تسعى إلى خلق ذلك الانسجام والتناغم بين المــــعطيات البيئية
والاقتصــادية والسكانية في سياق العلاقات التنمــــوية الوازنة التي تحترم الانســان
والطبيعة وتصون كرمتهما على حد سواء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق