الثلاثاء، 19 مايو 2015

ذكرى عاشوراء: دروس في التضحية والانتصار



ذكرى عاشوراء: دروس في التضحية والانتصار

بقلم ـــ ذ. مراد جدي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه وإخوانه وحزبه؛
وبعد، قال الله تعالى: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم}. فمن نعم الله تعالى وفضله على عباده أن جعل لهم في أيام دهرهم مواسم خير ونفحات رحمة، حظهم على التعرض لها والنيل من فضلها والاستمداد من أنوارها. ومن هذه النعم والمواسم أيام شهر محرم المباركة وخاصة اليوم العاشر التي بين الله تعالى فضلها في كتابه، وورد في السنة الأحاديث عن شرفها وحرمتها.
تكتسي عاشوراء أهميتها من التمثلات المنسوجة حولها في المتخيل الجماعي الشعبي، وما يرتبط بها من طقوس وحكايات وشعائر لدى المسلمين في العالم الإسلامي وخاصة في المغرب، ومن النقاش الحاد المثار حولها بين فرق المسلمين وطوائفهم. لكن في هذه المقالة سنتناول ذكرى عاشوراء من زاوية تربوية تعليمية نستخلص منها الدروس والعبر في حياة المسلمين الفردية والجماعية، ونصحح بها تلك التصورات والممارسات الخاطئة التي تمس روحانية هذه الذكرى العظيمة وأبعادها الإنسانية والتربوية والتاريخية.
1.           عاشوراء: بحث في الاسم والدلالة
اختلف المؤرخون واللغويون في أصل تسمية عاشوراء، فمنهم من اعتبرها كلمة عبرانية، وقال البعض: إنها كلمة عربية قديمة، وقال آخرون: إنها كلمة عربية عرفت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقول البعض: إن سبب التسمية هو أن الله تعالى أكرم فيها عشرة من الأنبياء بعشر كرامات، ومنهم من قال: إنما سمي عاشوراء لأنه عاشر عشر كرامات أكرم الله بها هذه الأمة.
والمرجح عندي أن عاشوراء تعني العاشر من شهر محرم، ويؤيدنا سيبويه في ذلك حيث قال: "إن عاشوراء هو مشتق من العشر الذي هو اسم للعدد المعين"[1]. وشهر محرم كما هو معلوم أحد الأشهر الاثني عشر في السنة القمرية التي هي حسب منازل القمر في مداره السنوي حول الشمس وهذه الأشهر القمرية لا تقل عن التسعة وعشرين ولا تزيد على الثلاثين يوما وعليه. ويبدأ الشهر القمري بظهور الهلال على وجه الأفق الغربي عند غروب الشمس وينتهي بكمال العدة أو برؤية الهلال ثانية. وأما أسماء هذه الشهور فهي عربية قديمة، واعتبرت أربع منها حرم[2] وهي الثلاثة السرد (ذو القعدة وذو الحجة ومحرم) والواحد الفرد (رجب).
2.           الأصول التاريخية للاحتفال بعاشوراء
ذكر بعض العلماء حول أصول الاحتفال بعاشوراء عدة أقوال، ومنها ما ذكره العيني[3]: وقيل: لأن الله تعالى أكرم فيها عشرة من الأنبياء عليهم السلام بعشر كرامات:
الأولى: فيه تاب الله على آدم عليه السلام.
الثانية: استوت سفينة نوح عليه السلام على الجودي.
الثالثة: أنجى الله نبيه يونس عليه السلام من بطن الحوت.
الرابعة: فلق البحر لموسى عليه السلام، وأغرق فرعون وجنوده.
الخامسة: أخرج يوسف عليه السلام من الجب.
السادسة: ولد عيسى عليه السلام، ورفع إلى السماء.
السابعة: تاب الله على داود عليه السلام.
الثامنة: ولد إبراهيم عليه السلام
التاسعة: غفر الله لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
وقال البعض أنه من هذه العشرة: رفع سيدنا إدريس عليه السلام إلى مكان علي، وأعطى فيه الملك لسليمان عليه السلام، ورفع الضر عن أيوب عليه السلام.
ومن خلال كم وأهمية هذه الأحداث التاريخية الكبرى في مسيرة دعوات الرسل والأنبياء عليهم السلام التي تؤرخ لها هذه الذكرى، يمكن أن تبرز لنا بجلاء حجم المخزون اللاشعوري الذي تختزنه عاشوراء في وجدان أهل الرسالات الكتابية ومنهم المسلمون بطبيعة الحال. وبهذا المعنى فإن ذكرى عاشوراء بمثابة استعادة وإحياء لهذه الأحداث الأصيلة في تاريخ المؤمنين والتي تدخل ضمن نموذج تكراري تتجسد فيه قيم الصراع بين أهل الحق وأهل الباطل على مدار التاريخ الإنساني، وذلك بما تحمله من عظات وعبر وتذكرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
وتمثل الأحاديث النبوية الواردة في فضل هذا اليوم خير تعبير عن أهمية استعادة هذه الذكرى،  فقد روى البخاري ومسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَوْمًا، يَعْنِي عَاشُورَاءَ، فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، وَهْوَ يَوْمٌ نَجَّى اللهُ فِيهِ مُوسَى، وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ، فَصَامَ عليه السلام شُكْرًا للهِ، فَقَالَ: "أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ"، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. وروى البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَعُدُّهُ الْيَهُودُ عِيدًا، قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم:  "فَصُومُوهُ أَنْتُمْ".
كما أنه ارتبط في وجدان المسلمين – وخاصة الشيعة منهم – بمأساة أليمة تمثلت في مقتل الحسين رضي الله عنه بعد قيامه ضد ظلم بني أمية، وإن كانت طريقتهم في استعادة الحدث أضحت مجرد طقوس سياسية للتعبئة والحشد مليئة بالخرافات والبدع والمنكرات. إلا أن قومة الحسين رضي الله عنه ضد الظلم والطغيان، تبقى معلما فارقا في وجدان الأمة الإسلامية، باعتبارها انتفاضة المستضعفين ضد المستكبرين ونحن نعيش في هذا الزمن انتفاضات الشعوب المقهورة ضد الاستبداد والظلم والتسلط، فالحسين رمز للتحرر والكرامة الإنسانية والانتفاضة ضد الظلم كما أنه أيضا عقيدة تستوجب المحبة باعتباره من آل البيت النبوي الشريف، فقد أخرج الترمذي عن يعلى بن مرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً، حسين سبط من الأسباط" قال الترمذي: هذا حديث حسن.
3.           الأعمال المطلوبة في ذكرى عاشوراء
وردت عدة أحاديث نبوية شريفة في فضل يوم عاشوراء والأعمال المطلوبة فيه، ومنها:
أ - حديث عروة عن عائشة رضي الله عنها أن قريشا كانت تصوم عاشوراء في الجاهلية ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيامه حتى فرض رمضان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من شاء فليصمه ومن شاء فليفطره." أخرجه البخاري ومسلم
ب - حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية رضي الله عنهما عام حجّ على المنبر يقول:  يا أهل المدينة أين علماؤكم ؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "هذا يوم عاشوراء ولم يكتب الله عليكم صيامه وأنا صائم فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر".
أخرجه البخاري في (كتاب الصوم – باب صوم يوم عاشوراء ح 2003 ) ومسلم في صحيحه (كتاب الصيام ح 2653-2655 ) والنسائي (كتاب الصوم – باب صوم النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي وذكر اختلاف الناقلين للخبر في ذلك ح  2373).
ج - حديث بشر بن المفضل عن خالد بن ذكوان عن الرُّبيع بنت معوذ بن عفراء قالت : أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة " من كان أصبح صائما فليتم صومه ومن كان أصبح مفطرا فليتم بقية صومه " فكنا بعد ذلك نصومه ونصّوم صبياننا الصغار منهم إن شاء الله ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على طعام أعطيناها إياه عند الإفطار.
أخرجه البخاري (كتاب الصوم – باب صوم الصبيان ح 1960) و مسلم (كتاب الصيام ح 2669 ) وانفرد مسلم فرواه من طريق أبي معشر العطار عن خالد بن ذكوان به.
د - حديث غيلان بن جرير عن عبد الله بن معبد الزّماني عن أبي قتادة رضي الله عنه – في صفة صوم النبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث طويل – قال : وسئل عن صوم يوم عاشوراء فقال : " يكفر السنة الماضية " وفي رواية " صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله ."

أخرجه مسلم (كتاب الصيام ح ( 2746-2747) والترمذي (كتاب الصوم – باب ما جاء في الحث على صوم يوم عاشوراء ح 752 ( وابن ماجه (كتاب الصيام – باب صيام يوم عاشوراء ح 1738(.
من هذه الأحاديث وغيرها المبثوثة في كتب السنة النبوية، نستخلص أنه مما شرعه الله تعالى لنا في هذا اليوم صيام عاشوراء ويوم قبله (أي اليوم التاسع) أو يوم بعده (اليوم الحادي عشر). ويستدل عليه بحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حين قيل للنبي صلى الله عليه وسلم إن يوم عاشوراء يوم تعظمه اليهود والنصارى قال : " فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع" وفي رواية " لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع".
أخرجه مسلم (كتاب الصيام ح 2266-2267) من طريقي أبي غطفان طريف المري وعبدالله بن عمير. ومن طريق أبي غطفان أخرجه أبو داود (كتاب الصيام – باب ما روي أن عاشوراء اليوم التاسع ح 2445) ومن طريق عبدالله بن عمير أخرجه ابن ماجه ) كتاب الصيام – باب صيام يوم عاشوراء ح 1736(.
4.           من فوائد ودلالات الاحتفال بعاشوراء
يكمن سر تعظيم هذا اليوم في كونه استحضار لطريق الخلاص الفردي والجماعي للمسلمين، فالخلاص الفردي تحقق بتوبة الله تعالى ومغفرته لأنبيائه الكرام ومنهم آدم ويونس ومحمد صلوات الله عليهم وسلامه، ففيه تذكير لنا بضرورة التوبة والأوبة إلى الله تعالى في كل آن وحين، وأن الله يقبل توبة عباده فالطريق السالك للنجاة الفردية يتجلى في تجديد التوبة ودوام الاستغفار. أما الخلاص الجماعي فيتمثل في نصر الله تعالى لأنبيائه وعباده المؤمنين على الطغاة والظالمين ونجاتهم منهم، ففيه نتذكر معنى التضحية والجهاد لإعلاء كلمة الله ونتيقن نصر الله لعباده المؤمنين. ولا أدل على ذلك من قصة نجاة سيدنا موسى عليه السلام وقومه من فرعون الطاغية وجنده، فهو عيد بمناسبة تأييد الله تعالى لفئة مؤمنة أطاعت نبيها، وخرجت معه لتكوين دولة مسلمة في أرض جديدة، وفرحة بقهر الله تعالى للظلم والطغيان المتمثل في فرعون وجنوده الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد.
ومع الدروس والعبر والقيم والمبادئ التي يجب أن نتعلمها ونعلمها لأبنائنا من خلال عاشوراء:
ü            نعلم أنفسنا وأبناءنا الاحتفال بعاشوراء بالصيام لمن يستطيع والتدريب قدر المستطاع للصغار: ونعلمهم أن أول فرض الصيام للمسلمين قبل شهر رمضان كان صوم يوم عاشوراء، وكان المسلمون يدربون أبناءهم على الصيام ويعطونهم اللعب ويأخذونهم إلى المسجد؛ حتى يبتعدوا عن الطعام ويصبروا أنفسهم حتى نهاية اليوم.
ü            نتعلم ضرورة الوعي بما يدور حولنا في المجتمع والعالم ودراسة الظواهر الاجتماعية أيها يصلح أن نأخذ به وأيها لا يصلح: وذلك بالبحث والاطلاع والاكتشاف والمشاورة بالطبع؛ فرسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قدم المدينة لاحظ ظاهرة موجودة وهي أن اليهود يصومون يوم عاشوراء، فلم يعش بمعزل عن الواقع بل راح يسأل عن سبب هذه الظاهرة، ولما علم أنها تصلح لنا كمسلمين أخذ بها ولكن بتميزنا وبسمتنا.
ü            ونعلم أن المسلم ليس متعصبًا بل يقبل الحق والخير أينما وجده، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أحق الناس بها...". نحن نأخذ الصالح النافع المفيد، ولكن في إطار تميزنا وسماتنا وبأخلاقياتنا الرائعة؛ لذلك لسنا مجرد مقلدين ولكننا مبدعون إيجابيون، والمسلم دائمًا متميز في سلوكه.
ü            ونعلم سر عدم استحقاق بعض اليهود للاحتفال بعيد النصر على الطغيان: هو أن اليهود انضموا إلى قافلة الطغيان والظلم والتجبر، بل وأصبحوا الآن هم قادته في الأرض؛ لذلك فهم ليسوا جديرين بالاحتفال بهذه الذكرى العظيمة بل نحن (أولى بموسى منهم)، نحن الذين نحتفل بل ونتميز في الاحتفال فنصوم مع العاشر: التاسع أو الحادي عشر؛ حتى نتميز عن اليهود المجرمين، كما أمرنا رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم.
ü            نحتفل بعاشوراء باجتماع الأسرة أو الأصدقاء لدراسة قصة سيدنا موسى عليه السلام دراسة مستفيضة نأخذ منها العبر والعظات: ونعرض لهم هذه القصة بأسلوب جميل، ويا حبذا لو توفر عرض مرئي لقصة سيدنا موسى عن طريق شريط فيديو أو (C.D)؛ حتى يكون أكثر قبولاً وإمتاعًا للصغار، ثم بعد الحكاية أو المشاهدة نقوم بربط دروس القصة بواقع المسلمين اليوم، ونخرج من خلالها بواجبات عملية تلتزم بها الأسرة في واقعها. ويا حبذا أيضًا أن نشجع الأبناء على رسم لوحات تصويرية توضح مشاهد القصة لتعميق الجانب الوجداني في نفوسهم.
ü            نتعلم حقيقة الصراع بين الحق والباطل: ويتمثل هذا في فرعون الظالم الذي كان يذبح الأطفال الصغار حديثي الولادة؛ لأنه لا يحب أن يكبر هؤلاء الصغار، ويكونوا صالحين محاربين للظلمة أمثاله؛ فالباطل مجرم وجبان ولا يحب الخير لأحد.
ü            نتعلم عدم الخوف والحزن بل الثقة والطمأنينة في طاعة الله: وذلك من خلال خطاب الله تعالى لأم سيدنا موسى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ }[القصص: 7]؛ فالأم التي تخاف على ابنها تأخذه في حضنها، ولكن الأم التي معها عناية الله وتستجيب لكلامه يحفظ الله ابنها حتى لو ألقت به في البحر استجابةً لأوامر الله.
ü            ونتعلِّم الإيجابية والوعي في سلوك أخت سيدنا موسى التي أمرتها أمها أن تذهب لتتابع ماذا حدث لأخيها:  {وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُون * وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} [القصص: 11، 12]. ونتعلم أيضًا من هذا الموقف الوعي السلوكي والذكاء في التصرف والحكمة وحسن التدبير، وكذلك الحذر الذكي فلم يشعر بها أحد، ولم تقف لتتابع فقط بل قدمت النصيحة الواعية {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ} وكأنها لا تعرفه.
ü            نتعلم "استشعار معية الله" في كل وقت، وخاصة عند الخطر، وأن من كان الله معه كان معه كل شيء: وذلك من خلال توضيح المشهد الأخير في الصراع، وأن سيدنا موسى حينما خرج طائعًا لله ومعه أتباعه وخرج فرعون بقوة كبيرة ضخمة لا يستطيع أحد الوقوف في وجهها، لم ييئس بل استعان بالقوي القادر، وحينما قال له بعض أتباعه: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ }[الشعراء: 61]، ردَّ واثقًا من عون الله له: {كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ} (الشعراء: 62)، فكن مع ربك دائمًا يهديك ويحفظك ويرعاك ويصونك من كل شر.
ü            نعلم أبناءنا أن الباطل مهما طغى وتجبر وظهر أنه قوي فإنه مهزوم، ولا بد أن يعاقبه الله تعالى: وأن الله تعالى قد يؤخر النصر حتى يأخذ المسلمون بأسباب القوة ويعودوا إلى الله {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} (محمد : 7).
وفي الختام، ندرك أن عاشواء يوم مشهود بما أجرى الله تعالى فيه من وقائع وأقدار، يذكر فيه المؤمن الصادق المدق بوعده، الموقن في نصره كما نصر رسله ودعاته وجنده، ينصر سبحانه إخوان نبيه الذين ساروا على دربه وعضوا على هديه بالنواجد كما في سورة النور: { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا، يعبدونني لا يشركون بي شيئا} (الآية: 53).
صدق الله العظيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة على سيد الخلق وصفوة المرسلين وآله وصحبه وإخوانه.


[1] - تثقيف اللسان، ابن مكي الصقلي، ص: 308 – 309.
[2]  - معنى الحرم، أي أن العرب كانوا يتركون فيها الحرب والقتال وسفك الدماء لينصرفوا إلى شؤون التجارة والزراعة والأدب والدين.
[3] - عمدة القاري، ج 11، ص: 117 – 118.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق