الثلاثاء، 19 مايو 2015

التراث الأثري بالريف و سؤال التنمية



التراث الأثري بالريف و سؤال التنمية:
إن الربط بين التراث الأثري والتنمية يبدو في الوهلة الأولى أمرا صعبا، نظرا لسيادة النظرة الضيقة التي تحيط عادة بكل ما يرتبط بالتراث، دون أن ننسى النظرة المعاكسة التي ترى إلغاء الماضي لصالح الحاضر.
وهكذا ظلت محاولات الاهتمام بالتراث الأثري حبيسة هذه الأفكار وقاصرة عن الفهم المتكامل لمضمون التراث وكيفية التعامل معه[1].
إن المنظور الجديد لدور التراث، لا يقتصر على دور التنقيب. ولكن يرمي أيضا إلى البحث عن سبل إدماجها في الدينامية الاقتصادية لتسهم بفعالية في تحقيق التنمية المنشودة. وهذا يقتضي بلورة سياسة وطنية للتراث، ووضع مخططات لتنميته والمحافظة عليه، وإدماجه في الإستراتيجية الوطنية للتنمية وإعداد التراب الوطني، وتحفيز الاستثمار في ميدان التراث لجعله قطاعا اقتصاديا مربحا، يخدم أجيال اليوم بقدر ما يمكن المحافظة عليه لخدمة الأجيال القادمة.
فمن شأن ربط التراث بالنشاط السياحي، أن يحافظ عليه ويعرف به، ويمكن استغلاله في مشاريع تحرك عجلة التنمية الاقتصادية بالمنطقة[2].
1) المآثر التاريخية ورهان التنمية السياحة:
1.1) التنمية السياحية:
التنمية السياحية هي الارتقاء والتوسع بالخدمات السياحية واحتياجاتها. وتتطلب التنمية السياحية تدخل التخطيط السياحي باعتباره أسلوبا علميا يستهدف تحقيق أكبر معدل ممكن من النمو السياحي بأقل تكلفة ممكنة وفي أقرب وقت مستطاع[3]. وهي أحدث ما ظهر من أنواع التنمية العديدة، وهي بدورها متغلغلة في كل عناصر التنمية المختلفة، وتكاد تكون متطابقة مع التنمية الشاملة، فكل مقومات التنمية الشاملة هي مقومات التنمية السياحية[4] لذلك تعتبر قضية التنمية السياحية عند الكثير من دول العالم، من القضايا المعاصرة، كونها تهدف إلى الإسهام في زيادة الدخل الفردي الحقيقي، وبالتالي تعتبر أحد الروافد الطبيعية والإنسانية والمادية. ومن هنا تكون التنمية السياحية وسيلة للتنمية الاقتصادية. وتستلزم التنمية السياحية عناصر عدة من أهمها: العناصر الطبيعية... وعناصر من صنع الإنسان، كالمنتزهات، والمتاحف والمواقع الأثرية التاريخية[5].
2.1) التنمية السياحية في مواقع التراث الأثري[6]:
لم تعد السياحة تعتمد على الأشكال النمطية المتعارف عليها سابقاً بل أصبحت تتجه إلى أنماط جديدة اختلفت عن تلك التي سادت سابقاً، ففي أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات جاء الأفارقة بفكرة أن السياحة يمكن أن تكون مهرباً من الفقر،  وبدءوا ببناء فنادق ضخمة على ساحل كينيا وجنوب أفريقيا، فبدأ السياح بالتدفق على هذه المواقع بحثاً عن سياحة غير اعتيادية من خلال الاستمتاع بأسباب الراحة المنزلية والبحث عما هو جديد في مراقبة الحيوانات وتناول الوجبات الغريبة والصيد.
إن هنالك تحولاً كبيراً في الأنماط السياحية الحالية، فالسياح أصحاب الذوق الأرقى، أصبحوا يبحثون عن تجارب أكثر أصالة، كركوب الخيل في الغابات والاندماج من المجتمعات المحلية في محاولة لفهم هذه المجتمعات والتعرف عليها، كما أصبح البحث عن الأصالة في التعامل، والبحث عن القيم الفضلى من العناصر الجاذبة للسياحة، بالإضافة إلى رغبة السياح في العيش خارج المألوف. فالعيش ضمن مناطق القبائل وتناول وجباتهم والتعرف على أساليب حياتهم أصبحت من النقاط الجاذبة للسياحة.
فالأصالة إذن هي مفتاح السياحة الجديدة. والسياحة الحالية تمر بتغييرات هائلة، فالسائح الآن يبحث عن تجارب جديدة وبتكاليف أقل. وبحلول عام 2020 ستتمكن أكثر الأماكن السياحية شعبية في العالم وهي الصين وفرنسا والولايات المتحدة وإسبانيا وإيطاليا من أن يكون لها النصيب الأكبر من السياحة. وفي تقرير النمو السنوي المتوقع 1995-2020 لمنظمة السياحة العالمية تشير الأرقام إلى أن السفر عبر القارات سينمو وأن الرحلات الأكثر شعبية ستكون تلك القريبة من الوطن، كما تشير الدراسات إلى أن نسبة السياح ستزداد من دول الصين واليابان.
من هنا لابد للدول النامية التفكير بشكل جدي في التنمية السياحية مع الأخذ بالاعتبار كافة العوامل الجاذبة للسياحة، من حيث الاهتمام بالأصالة وتوفير الخدمات السياحية بأسعار تنافسية، وتوفير كل ما هو جديد، بالإضافة إلى ضرورة مشاركة المجتمعات المحلية في الصناعة السياحية سواءً في استقبال السياح وتوفير الجو الآمن ومعايشة التجربة السياحية والتفاعل مع السياح أوفي إدارة المواقع السياحية.
كما يساهم التراث الأثري في القيمة المكانية للبيئة التي يتواجد بها من خلال إيجاد بيئة تاريخية تمثل مرحلة من المراحل التاريخية، وتساهم في إضافة عنصر الزمن لعناصر التخطيط الحضري ليولد الإحساس بروح المكان.
فالتراث العمراني من أهم المصادر المادية في النشاطات الإنسانية الاجتماعية والثقافية، وهو مصدر للمعلومات، فهو يعطينا القدرة على استرجاع الفاقد من المعلومات وإيجاد حلول وإجابات للمشاكل الجديدة، وهو المصدر الوحيد للمعلومات عن أناس عاشوا ومارسوا النشاطات في عهود سابقة وذلك من خلال تتبع الحياة الإنسانية والاجتماعية وتطوراتها. والتراث العمراني هو مصدر غير متجدد مما يدعونا إلى الحفاظ على هذه العناصر الثمينة والتأكد من أنها تدار بطريقة تظهر التقدير والاحترام لهؤلاء الذين عاشوا قبلنا وتظهر الحرص والاعتبار للذين سيأتون من بعدنا.
2) أهمية السياحة في الحفاظ على التراث الأثري:
جاء في تقرير منظمة الأمم المتحدة حول السياحة والأسفار الدولية بروما وتقارير لقاءات دولية أخرى أن التثاقف السياحي له جوانب ايجابية... فهو يحد من الجهوية الضيقة، ويكسر المحافظة الإقليمية ويشجع على تدويل اللغات والكشف عن العالم الآخر، ويساهم في إحياء بعض التظاهرات القديمة التي تنظم لفائدة السياح –كتظاهرات الفلكلور- وفي الحفاظ على بعض المآثر التاريخية[7].
وفي هذا السياق نجد الاتفاقية العالمية للسياحة الثقافية لعام 1999[8]، ونتيجة لإدراكها بأهمية استدامة مواقع التراث الثقافي والطبيعي كمصدر اقتصادي وثقافي وتعليمي، تبحث عن علاقة جديدة ما بين الحفاظ والسائح، وبالتالي فقد ركزت على أن من أهم أسباب القيام بأي عمل من أعمال الحفاظ هو إبقاء تميز مواقع التراث والحفاظ عليها بهدف حصول السائح على أكبر قدر من التمتع بهذه المواقع، وذلك من خلال أسلوب إدارة فعّال يضمن بقاء الموقع وتميزه، من خلال التوعية والحفاظ على المباني والمعالم التراثية، وأن التراث لا يمكن أن يحصل على الدعم المادي أو السياسي بدونها. وتدرك صناعة السياحة أن المواقع التراثية والثقافية تشكل الجزء الأكبر من عوامل الجذب السياحـي، كما تدرك أن هذه المصادر هشة وغير مستوردة، من هنا فإن الاتفاقية العالمية للسياحة الثقافية تدعو مسؤولي الحفاظ وصناع السياحة على أن يعملوا جنبا إلى جنب ضمن التحديات الموجودة للوصول إلى استدامة على المدى الواسع للتراث الثقافي لكل مجتمع.
أما على المستوى الوطني وفي إطار إستراتيجية التنمية السياحية المعروفة باسم «رؤية 2020» التي تم الإعلان عنها في شهر نونبر الماضي بمناسبة انعقاد المناظرة الوطنية الأخيرة للسياحة في مراكش. فقد تم خلق شركة تحت اسم "الشركة المغربية لتثمين القصبات"[9]، عهد إليها ترميم وإعادة تأهيل القصبات في أفق إدماجها في مخطط التنمية السياحية المستدامة، ويلخص وزير السياحة المغربي دور هذه الشركة بقوله: "الشركة المغربية لتثمين القصبات تعتمد في عملها على مبدأ التنمية المستدامة، وذلك من خلال ترميم وإعادة إحياء الموروث المعماري والثقافي المغربي،سواء في شقه المادي، أو اللامادي. فضلا عن إعطاء الشركة لنشاطها بعدا اجتماعيا يتمثل في تكوين الساكنة المحلية، وجعلها تندمج في هذا المشروع سواء من خلال التشغيل المباشر، أو عبر التعريف بالموروث الحضاري المحلي، أو تسويق المنتجات المحلية"[10].
3) خطة عمل:
بعد أن كان ينظر إليه (ولفترة ليست بالقصيرة) كأحد المعيقات التي تقف في وجه تطوير البنى التحتية والتنمية، صار التراث الثقافي أحد أهم عوامل التنمية المحلية[11]  حيث انتبه العاملون في هذا قطاع إلى الدور الاقتصادي الهام الذي يمكن أن يلعبه إلى جانب القطاعات الأخرى. لكن تبقى هناك العديد من التساؤلات التي تطرح نفسها بقوة في هذا الإطار ولعل أهمها:
1- كيف لنا مثلا أن نجعل من موقع مدينة غساسة الأثري موقعا أثريا من شأنه أن يساهم في التنمية المحلية ؟
2- أو كيف لنا أن نرقى بموقع أثري جد هام كموقع تازوضا إلى مصاف المواقع الأثرية الكبرى بالمغرب والتي تحظى بعناية مؤسساتية من طرف وزارة الثقافة من حيث التسيير  كشالة ووليلى منذ ما يقرب أو يزيد عن 40 سنة ؟ 
3- وما هي طريقة التعامل مع معلمة تاريخية معزولة في العالم القروي كموقع سيدي إدريس أو آثار مدينة غساسة وتازوضا ؟
4-  وما هو السبيل إلى استعادة أحد الشواهد المتميزة للذاكرة التاريخية المحلية والمتمثلة في مدينتي غساسة وأمجاو الأثريتين والتي لم يتبق منهما أي إنجاز معماري فوق الأرض؟
إن هذه الأسئلة تستدعي منا صياغة مشروع عمل منهجي حول هذا التراث المادي الذي تزخر به منطقة الريف الشرقي يتمثل في:
+               معرفته بالقيام بأبحاث علمية وبجرده ووضع خريطة أثرية لمنطقة الريف.
+             تشخيص الوضعيات العقارية للتراث الثقافي بالمنطقة من حيث طبيعة ملكية العقار.
+               ضمان حمايته القانونية والإدارية.
+               إعداد ملفات رد الاعتبار له.
+               التحسيس والتعريف به.
+               البحث عن مصادر التمويل.
+               إنشاء مؤسسة متحفية بمدينتي الناظور والدريوش.
ü               إنشاء محافظة بأهم المواقع التاريخية.




[1]   جواد أبو زيد، المدينة القديمة لفاس تراث وركيزة للتنمية، دفاتر جغرافية، مختبر التراث والمجال  جامعة محمد بن عبد الله كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز فاس،العدد 3 / 4 2007، ص 41.
[2]   نفس المرجع، ص 43.
[3]  كافي مصطفى يوسف، صناعة السياحة كأحد الخيارات الإستراتيجية للتنمية الاقتصادية، دار الفرات نينار للنشر والتوزيع، 2006، ص 106.
[4]  كافي حسين، رؤية عصرية للتنمية السياحية، دار النهضة المصرية القاهرة، ص 37.
  غنيم محمد عثمان، التخطيط السياحي والتنمية، الأردن، 2004، ص 246.[5]
[6]   عرض للأستاذ عبد الله البودجاي، ضمن الملتقى الرابع للذاكرة والتاريخ بالريف ، 28/29 ماي 2010، الحسيمة.
[7]   إسماعيل عمران، التنمية السياحية بالمغرب واقع وأبعاد ورهانات، دار الأمان للنشر، الرباط، 2004، ص60.
[8]   أتت الاتفاقية العالمية للسياحة الثقافية لتحتل مكان الاتفاقية السابقة الصادرة عن ICOMOS "اتفاقية السياحة الثقافية لعام 1976"،  ويأتي الفارق الأساسي ما بين الاتفاقيتين من خلال العلاقة ما بين الحفاظ والسياحة. فالوثيقة الأولى المتعلقة بالسياحة الثقافية لسنة 1976  ركزت على إدارة الضغوطات ما بين السائح ومواقع التراث والمسؤولين عن حماية هذه المواقع وذلك بالنظر إلى السائح من قبل العاملين بالحفاظ بأنه أحد العوامل المهددة لأصالة المواقع التراثية.

[9]  شركة مجهولة الاسم ذات إدارة جماعية ومجلس للرقابة وبرأسمال 3000000.00 درهم.
أنظر:
 يومية الصباح، العدد 3460، الجمعة 27 ماي 2011، ص 4.
[11]   أورد وزير السياحة في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء بتاريخ 13 يونيو2011، أن 39 بالمائة من السياح الذين يفدون على المغرب،يصنفون ضمن هواة السياحة الثقافة، كما أن هذه الفئة من السياح تنفق في المعدل ألفا ومائة دولار،مقابل ثمانمائة دولارا وأقل من ذلك بالنسبة لفئات أخرى من السياح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق